تابع معظمنا مسلسل حدائق الشيطان على شاشات التلفزيون العربية فى شهر رمضان و من لم يتابعه فقد وصلته بالضرورة الضجة التى أحدثها المسلسل . و بعيداً عن البطل السورى للمسلسل الصعيدى . و بعيداً عن إنتشار الفساد فى المسلسلات المصرية . و بعيداً عن النداءات بأنه لايزال بمصر شرفاء . فقد ذكرنى هذا المسلسل بفيلم مصرى قديم هو شئ من الخوف .و بلمحات قصيرة للتذكرة و التعريف بالمسلسل و الفيلم .قصة المسلسل تدور فى قرية من قرى الصعيد ، حيث يسيطر على القرية شخص ظالم ( مندور أبو الدهب ) و هو تاجر مخدرات ، يستغل أهل القرية و يبسط نفوذه عليها . و فى إحدى حلقات ظلمه ، يجلد رجل عجوز حتى يشارف على الموت و من ثم يتحدى إبن العجوز الظالم مندور و تلعب الصدفة دورها و يصبح هذا الإبن نائب القرية فى مجلس الشعب . و تجرى الأحداث و تأتى نهاية مندور بقرار إلهى حيث يصاب بورم فى المخ . و حينئذ يقرر أن يعدل مع أهل القرية و يسمح للنائب الشاب بتحقيق مشروعه .أما الفيلم ، فكان يدور أيضاً فى قرية من قرى الصعيد و كان يسيطر على القرية أيضاً ظالم أخر ، و المشهور فى ذاكرة الشعب المصرى بإسم عتريس . و عتريس كمندور فى الكثير من الأشياء، الظلم و السيطرة و الدموية و من يتذكر الفيلم ، يتذكر مشهد فرح رجل مندور و هو يقول نقوطك يا رشدى و البلد كلها خاضعة تشرب شربات الفرح و تنقط العريس بالغصب . و كانت قوى المقاومة ممثلة فى فؤادة ، صديقة صبا عتريس ، التى تبحث عن القلب الأبيض داخل هذا الوحش الظالم . تقف وحدها ضد عتريس حين يحكم على القرية بالعطش و ترفض الزواج منه باللإكراه . و فى هذه اللحظة تتحرك البلدة لتشعل الظالم . و ينتصر أهل القرية على الظلم .المسلسل و الفيلم ، هما لسان حال المجتمع المصرى فى خمسين عام . ففى الفيلم الأول كان بديهياً أن يقوم الشعب المصرى ( ممثلاً فى فؤادة و أهل القرية ) بالثورة على عتريس ( ممثل الحاكم الظالم و الفساد ) .أما فى مسلسل حدائق الشيطان فقد ظل الظلم مسيطراً ( مندور أبو الدهب ) إلى أن جاء القرار الإهى بنهاية الظالم . فقوى الشعب ( متمثلة فى أهل القرية ) آثرت السكوت على أفعال الظالم ، عملاً بالمبدأ المصرى الشهير إصبر على جار السو ، يا يرحل يا تجيله مصيبة تشيله . أما قوى التغيير / المعارضة ( متمثلة فى دياب ، شباب الجامعة ، قمر و الرجل الغريب ) لم يستطيعوا تحريك قيد أنملة من الظالم . فنرى دياب نائب بلا سلطة و بلا قدرة على تغيير أفكار الناس التى تكتفى بالفرجة . و شباب الجامعة الذين يكتفون بالكلام و النظريات و التوجيهات و الأحلام ، و قمر التى تتزوج مندور لتنتقم لثأر أخيها فينتهى بها الحال فى أحضانه تبكى مرضه . و حتى الرجل الغريب ذو الأصول القروية الذى يسعى بماله لثأر قديم ، يقف أملاً فى ضربة حظ .شتان بين مظاهرة زواج عتريس من فؤادة باطل و النار المشتعلة و مشهد عتريس وحيداً كفأر مذعور من قوى الشعب الثائرة و مشهد مندور الذى يرفض أن يموت كخروف على أورمة الجزار و يحرق حدائقه الشيطانية وسط تعاطف معظم أعدائه الطبيعيين . ففى الفيلم كان مستقبل مصر بيد رجالها ، أما المسلسل .. لك الله يا مصر .
مجرد .. تخريف
No comments:
Post a Comment